شهادة معاملة أطفال
عاد الفنان محمد هنيدي إلى الساحة التلفزيونية بمسلسل مختلف في الشكل والمضمون حمل عنوان “شهادة معاملة أطفال”. المسلسل، الذي لاقى تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، مزج بين الكوميديا التي اشتهر بها هنيدي، والدراما الاجتماعية العميقة التي تمس جوهر العلاقات الإنسانية.
قصة المسلسل
يدور المسلسل حول شخصية عبد الستار الكف، محامٍ بسيط يتعرض لحادث مأساوي يدخله في غيبوبة طويلة تمتد لعشرين عامًا. وعندما يستفيق أخيرًا، يكتشف أن العالم قد تغير من حوله بشكل لا يمكن تخيله. زوجته تزوجت من جديد، ابنته كبرت وتكاد لا تعرفه، والعصر نفسه تطور إلى درجة تجعل من الصعب عليه اللحاق بركبه.
هذه المفارقة الزمنية تشكل جوهر العمل، وتفتح الباب أمام العديد من المواقف التي تجمع بين الكوميديا والمأساة. فالبطل لا يواجه فقط تغيرات تقنية أو اجتماعية، بل يواجه غربة داخل عائلته، وغربة أشد داخل نفسه، كأنه عاد إلى حياة لم تعد له.
الرسائل والرمزية
“شهادة معاملة أطفال” لا يكتفي بتقديم قصة درامية ممتعة، بل يطرح تساؤلات عميقة حول هوية الفرد في عالم سريع التغير، وحول مكانة الأبوة والعائلة حين تختل الموازين بفعل الزمن أو الظروف. فهنيدي، بشخصيته المتناقضة بين الطرافة والحزن، يُجسد نموذجًا لإنسان يبحث عن ذاته في واقع جديد لا يشبهه.
العنوان نفسه يحمل رمزية لافتة. فـ”شهادة معاملة أطفال” تعكس من جهة الحنين إلى البراءة والبساطة، ومن جهة أخرى تحمل نقدًا ضمنيًا للواقع الذي يُعامل فيه الكبار أحيانًا كأطفال، خاصة عندما يفقدون السيطرة على حياتهم.
الأداء والإخراج:
هنيدي يقدم أداءً ناضجًا يختلف عن طبيعته الكوميدية المعتادة، حيث نجح في مزج السخرية بالأسى، وقدم لحظات إنسانية صادقة تُلامس مشاعر المشاهد. إلى جانبه، يبرز عدد من الممثلين الذين دعموا الحبكة بوجودهم القوي، من بينهم نهى عابدين، محمود حافظ، وصبري فواز.
الإخراج بقيادة سامح عبد العزيز جاء متوازنًا، لا يبالغ في التصوير ولا في إظهار المفارقات الزمنية بشكل فج، بل اعتمد على التفاصيل الصغيرة لتوصيل التغيرات، مثل نظرة البطل لابنته، أو ردود فعله تجاه الأجهزة الحديثة، أو حتى مشهد مواجهة الزوجة.
ختامًا:
“شهادة معاملة أطفال” ليس فقط مسلسلًا كوميديًا أو دراميًا، بل هو تأمل صادق في التحولات التي تحدث في غيابنا عن الحياة، سواء كان غيابًا حقيقيًا كما في القصة، أو غيابًا معنويًا نعيشه أحيانًا بسبب الانشغال أو الإهمال.
هو عمل يليق بعودة هنيدي للدراما، ويستحق المشاهدة لما يحمله من دفء، ودهشة، ومرارة ناعمة، تجعله من أبرز إنتاجات الدراما المصرية هذا العام.