مسلسل كتالوج
في زمن كثرت فيه الأعمال الدرامية التي تعتمد على الإثارة أو الصراع الاجتماعي، يأتي مسلسل كتالوج ليقدم تجربة إنسانية مختلفة، تضع “الأبوة” في قلب الحدث. هو عمل بسيط في ظاهره، لكنه عميق في ما يحمله من مشاعر وتساؤلات حول غياب الأم، وتحول الأب من دور ثانوي في التربية إلى الدور الأول.
القصة
تبدأ الحكاية بوفاة “أمينة”، الزوجة التي كانت تدير شؤون البيت وتعتني بالأطفال. زوجها “يوسف”، رجل ناجح في عمله لكنه بعيد عن تفاصيل حياة أبنائه، يجد نفسه فجأة وحيدًا في مواجهة مسؤولية لم يكن مستعدًا لها: تربية طفلين، “كريمة” و”منصور”.
بين الحزن والتشتّت، يكتشف يوسف أن زوجته الراحلة قد تركت له سلسلة من الفيديوهات المسجّلة، كنوع من “الكتالوج” الذي يحتوي على نصائح تربوية وتعليمات دقيقة لكيفية التعامل مع الأطفال في مواقف متعددة. وهكذا، تبدأ رحلة يوسف في فهم الأبوة، واكتشاف ذاته من جديد.
دراما من الحياة اليومية
الجميل في كتالوج أنه لا يعتمد على مفاجآت درامية أو حبكات معقدة، بل يركّز على الحياة اليومية بكل تفاصيلها: كيف يوقظ الأب أبناءه، يحضّر الطعام، يساعدهم في الدراسة، أو حتى يتعامل مع نوبات الغضب والحزن. كل هذه التفاصيل الصغيرة تصنع دراما صادقة قريبة من المشاهد.
المسلسل لا يصوّر يوسف كأب مثالي، بل كشخص يتعلّم بالتجربة والخطأ. وهذا ما يمنح القصة واقعية تجعل الجمهور يتعاطف معه، بل يرى نفسه فيه.
أداء متقن وبطولة هادئة
محمد فراج يقدم واحدًا من أفضل أدواره، حيث يجسد شخصية الأب المربك والمتردد، ثم المتطور والواثق. أداؤه لا يعتمد على الانفعالات الزائدة، بل على تعابير الوجه، الصمت، والارتباك الطبيعي الذي يعيشه كل شخص يواجه واقعًا جديدًا.
أما ريهام عبد الغفور، فرغم قلة ظهورها في المسلسل (من خلال الفيديوهات والذكريات)، إلا أنها تقدّم حضورًا مؤثرًا وعاطفيًا يرافق الحلقات حتى النهاية.
رسائل تربوية وإنسانية
كتالوج ليس مجرد مسلسل درامي، بل يحمل رسائل واضحة عن أهمية دور الأب، وعن غياب التوازن في الأدوار داخل الأسرة. العمل يُظهر كيف أن التربية ليست مهمة الأم وحدها، وأن الأب قادر، ولو بعد التعثّر، أن يكون سندًا ومصدر أمان.
كذلك يناقش المسلسل مسألة الحزن بعد الفقد، وكيف تختلف طريقة تعبير كل فرد من العائلة عن حزنه، من الطفل إلى البالغ.
نقاط القوة والضعف
من أبرز نقاط قوة المسلسل بساطته وصدقه. لا يحاول أن “يبهر”، بل يكتفي بأن “يُشعر”. الحوارات طبيعية، المشاهد مألوفة، والعلاقات حقيقية.
أما ما قد يُؤخذ عليه، فهو بعض البطء في السرد، وتكرار بعض المشاهد التربوية التي بدت تعليمية أكثر من درامية في بعض اللحظات. لكن هذا لا ينتقص من قيمة العمل، بل يعكس اختياره الواضح: تقديم تجربة أسرية عاطفية لا دراما صاخبة.
خاتمة
كتالوج عمل هادئ، لكنه يُحرّك الكثير في الداخل. هو دعوة صادقة لكل أب أن يكون حقيقيًا في علاقته مع أبنائه، ولكل أسرة أن تعيد التفكير في توزيع أدوارها ومسؤولياتها.